ذهب وليد مع ابيه لشراء سيارة جديدة، فتعجب الصغير من بيع معرض السيارات لأبيه سيارة بخمس عجلات، لكن والده أفهمه أن الخامسة للطوارئ. وهل تتذكر قصة يوسف عليه السلام مع ملك مصر، إذ رأى الأخير في منامه رؤيا أن هناك سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فعبّر يوسف عليه السلام هذه الرؤيا كما ورد في القرآن الكريم وأعلم الملك أن هناك ثمة خطر مُحدق قريبًا بالبلاد وأعدّ خطة لمواجهة وإدارة هذا الخطر؟
كلا القصتين السابقتين لتعلم أن المخاطر موجودة في حياتنا بشكل أو بآخر، وليست مرتبطة فقط بالمشروعات؛ لذلك وجب معرفة مفهوم المخاطرة، وكيفية تحديدها وتحليلها وتقييمها وإعداد خطة للتغلب عليها أو الاستفادة منها، وكل هذه المفاهيم نُطلق عليها اسم “إدارة المخاطر”.
أولًا: مفهوم المُخاطرة
يُعرّف قاموس Webster المُخاطرة “Risk” على أنها التعرض للخسارة، ولكن لو تمعنت قليلًا في تعريفالمخاطرة لوجدت أن كل شخصٍ وكل علمٍ عرفها بطريقة مُختلفة عن الآخر؛ لذلك سنعتمد في بيان المُخاطرة هنا إلى أبسط تعريف عملي وفيه تُعرّف المُخاطرة على أنها حدث مُستقبلي، قد يحدث وقد لا يحدث، وفي حالة حدوث هذا الحدث، سيكون له تأثير إما أنه سيكون تأثيرًا إيجابيًا أو سلبيًا.
من التعريف السابق يتضح بشكل جليّ أن المخاطرة ليست مُشكلة إذ أن المُشكلة حدث سيء حدث بالفعل، بينما المُخاطرة هي حدث في المستقبل لم يحدث بعد ولكن في حالة حدوثه فمن المُحتمل أن تتحول المُخاطرة إما إلى مُشكلة (التأثير السلبي للحدث)، أو إلى فرصة (التأثير الإيجابي للحدث).
إدارة المخاطر
إذا رجعنا إلى قصة يوسف وملك مصر، ستجد أنه – عليه السلام – اكتشف المُخاطرة التي ستحدث مُستقبلًا؛ فأعدّ لها خطة استراتيجية بوضع الحنطة في السنبلة كي تكون أبقى مع الزمن ولا تفسد، ولكن هل يُعقل أن يُحدد الحل ببساطة بدون قياس وتحليل وتقييم للمُخاطرة؟
الإجابة ببساطة لا، فلكي تضع حلًا عمليًا وخطة استراتيجية حكيمة لإدارة المُخاطرة فإنه من الواجب أولًا أن يتم تحليل المُخاطرة وتقييمها بهدف الربط بين احتمالية حدوثها والتأثير الناتج عن حدوثها وكيف يُمكن التحكم فيها والتقليل من تأثيرها إذا كان التأثير سيئًا.
ثانيًا: كيفية تحديد المخاطر
من البديهي أن يتم تحديد المخاطر اولًا حتى يتسنى لنا التصدي لها قبل أن تحدث، وطرق تحديد المخاطر ليست معدودة على أصابع اليد؛ فهناك كثير من الاستراتيجيات المُتّبعة لتحديد المخاطر، تختلف من شركة إلى شركة، ومن شخصٍ إلى آخر، وفيما يلي سنوجز بعضًا من الأساليب المُمكن استخدامها لتحديد المخاطر:
1 – العصف الذهني
من أهم الطرق المُستخدمة لتحديد المخاطر؛ حيث من المفترض أن كل شركة تعقد اجتماعات دورية بشكل أسبوعي أو نصف شهري، وفي كل اجتماع يجب أن يُخصص وقت للعصف الذهني يُشارك فيه كل الحضور لتحديد أي مُخاطرة مُحتمل حدوثها لأي سبب من الأسباب. أيضًا من الواجب تفعيل جلسات العصف الذهني في الاجتماعات التي تحدث في بدايات ونهايات كل مرحلة.
2 – تحليل السلامة الوظيفية (JSA)
واحدة من أقدم الطرق المُستخدمة لتحديد المخاطر؛ حيث يتم تقسيم المشروع أو المرحلة إلى عدة أنشطة، ثم يتم دراسة كل نشاط على حِدَته بهدف استخراج المخاطر منه قدر الإمكان ودراستها.
3 – سيناريو تحقيق الهدف
يُمكن معرفة المُخاطرة من الهدف، حيث يتم دراسة السيناريو المُتّبع لتحقيق هذا الهدف واستنباط كافة المخاطر التي قد تحول دون تحقيقه، كذلك استنباط الفرص التي تُساعد على تحقيق الهدف في وقت أو بتكلفة أقل.
4 – قائمة المخاطر السابقة
من الوارد أنك أقدمت على فعل نفس المشروع من قبل وواجهت العديد من المخاطر، أو على الأقل تعرف أشخاصًا نفّذوا نفس المشروع من قبل، وبسؤال هؤلاء عن سجل المخاطر السابقة التي مرّ مشروعهم بها سيكون لديك قائمة كبيرة من المخاطر.
5 – الجولات الميدانية
في حالة كان لمشروعك باع على أرض الواقع فقد تكون الجولات الميدانية أمرًا صائبًا إذ ستلاحظ كثيرًا من الأخطاء التي سوف تُساعدك على استنباط المخاطر بشكل سريع.
6 – الافتراضات منبع المخاطر
وأنت تعد الخطة الأساسية لمشروعك، قد تكون افترضت أشياءً، أو قد تكون بنيت خطتك على مجموعة من الافتراضات؛ كأن تكون افترضت سعر مُعين للمواد الخام فتجد أن السعر مختلف، أو تفترض أن تصميم قالب موقعك الجديد سوف يأخذ أسبوعًا كحد أقصى ولكنك تتفاجأ أن تصميم القالب يأخذ شهرًا كاملًا، أو تفترض أن شركة الاستضافة التي تتعامل معها لديها سيرفرات تتحمل تدفق الزوّار بعدد كبير ولكنك تتفاجأ أن الموقع بدأ يتوقف بشكل مُتكرر مع كثرة أعداد الزوار، وبالتالي فإن كل افتراض افترضته هو مُخاطرة مُحتملة.
7 – مشاركات فريق العمل
من الأهمية بمكان أن تدفع فريق العمل إلى إعلامك بالمخاطر المحتملة في المشروع حين شعورهم بها باستخدام آلية تبليغ منظمة ومُتاحة للجميع، ففريق العمل يُمارس فعليًا العمل المطلوب وبالتالي من المؤكد أنه سوف يكتشف مخاطر لا يمكن لك كمالك أو كمدير للمشروع معرفتها بسهولة.
8 – سؤال الخبراء
نقصد هنا بالخبراء غير العاملين مع الفريق من الذين لديهم باعًا في مثل هذه المشروعات، وبالتأكيد بحجم خبرة هؤلاء سوف يُضيفون الكثير من المخاطر التي لم تفكر بها إطلاقًا.
ثالثًا: تقييم وترتيب المخاطر
بعد تحديد المخاطر سيكون لدينا عددًا كبيرًا منها، وربما يُصبح من المستحيل التعامل مع جميعها في آن واحد؛ لذلك سيكون واجبًا تقييم المخاطر ثم ترتيبها إلى درجات لنتعامل مع أشدها خطورة أولًا.
تحليل وتقييم المخاطر
بإمكاننا تقييم المخاطرة عن طريق وصفها طبقًا لعاملين، هما احتمالية حدوث المخاطرة، ومدى تأثيرها في حالة حدوثها، وكل عامل من العاملين يُمكن إضافة 5 اختيارات أسفله وهم (عالي جدًا، عالي، متوسط، منخفض، منخفض جدًا)، ومن الممكن اختزال الخمسة عناصر إلى ثلاثة فقط وهم (عالي، متوسط، منخفض)، والصورة التالية توضح مثال مركب من خطرين اثنين فقط. (ملحوظة: الأمثلة التالية من وحي خيالي لبيان الفكرة فقط.)
- الخطر الأول: معاقبة الموقع الإلكتروني نتيجة نقل محتوى المواقع الأخرى بشكل مُتكرر، وأطلقت على هذا الخطر اسم (Risk 1)، وبتحليل الخطر رأيت أن هناك احتمال عالي جدًا لحدوثه نتيجة لأسباب أعرفها مُسبقًا، كذلك في حالة حدث هذا الخطر وتمت معاقبة موقعي الإلكتروني فسيكون التأثير عالي جدًا لأن معظم زوّار الموقع من محركات البحث وبالتالي سينتهي أمر موقعي نهائيًا.
- الخطر الثاني: زيادة عدد زوار الموقع بنسبة 20% عن الحد المسموح به من قبل شركة الاستضافة وأطلقت على هذا الخطر اسم (Risk 2)، وبتحليل الخطر رأيت أن هناك احتمال متوسط لحدوثه نتيجة لأسباب أعرفها مُسبقًا كالزيادة الفعلية في عدد الزوار اليومي عن المعدل الطبيعي، كذلك في حالة حدوث هذا الخطر سيكون التأثير منخفض لأن شركة الاستضافة سوف تتواصل معي لترقية الاستضافة وبالتالي سيتم تحويل تأثير هذا الخطر من سلبي (الخوف من إيقاف الموقع) إلى إيجابي.
ترتيب المخاطر
- يتم وضع الخطر في المربع المناسب لكل عامل من العاملين، فمثلًا الخطر الثاني في المثال السابق، تم وضعه في عمود متوسط الخاص باحتمالية الحدوث، وتم وضعه في صف منخفض الخاص بمدى تأثير المخاطرة.
- بعد تقييم كافة المخاطر بالطريقة السابقة، سيكون واضحًا من الألوان الموجودة أي المخاطر يجب أن تتعامل معها أولًا، وبذلك يكون لدينا جدول كامل مُرتب به المخاطر برقم تسلسلي لكل خطر مُحدق بالمشروع.
رابعًا: آلية التعامل مع المخاطر
الآن ننتقل إلى جزء آخر مُهم، حيث نتعرف فيه على آلية التعامل مع المخاطر بهدف التأثير على تأثيرها؛ فإذا كان تأثير المخاطرة سيئًا سيكون لدينا أربعة أساليب مختلفة نستخدم واحدًا منهم، وإذا كان تأثير المخاطرة إيجابي أو يُمكن تحويله إلى شيء إيجابي سيكون لدينا ثلاثة أساليب أخرى نستخدمها.
إدارة المخاطر ذات التأثير السلبي على المشروع
في حالة كان للمخاطر تأثيرًا سلبيًا على المشروع، تمامًا كالخطر الأول الذي ذكرناه في المثال السابق، سيكون لدينا أربعة أساليب للتغلب على هذا الخطر:
- تجنب المخاطرة: ربما فات الأوان بالنسبة للخطر الأول الذي تحدثنا عنه في المثال السابق، إذ أن تجنب المخاطرة يعني الابتعاد عنها نهائيًا، ولفعل ذلك كان يلزم أن يعقد مالك الموقع اجتماع مع فريق المحتوى ليُحدد خطورة نقل المحتوى على ترتيب الموقع، فيتجنب النقل من البداية، وبالتالي يتجنب المخاطرة.
- نقل المُخاطرة لطرف ثالث: قد تكون هذه الطريقة هي الحل العملي الأمثل مع موقف المخاطرة الأولى، إذا سوف تنقل المخاطرة إلى طرف ثالث، مثلًا توظيف كاتب أو مجموعة من الكتّاب على أن يقوموا بتأليف مقالات جديدة لنفس العناوين الموجودة في الموقع أي ما سيتغير فقط هو محتوى المقالات المنقول، وبهذه الطريقة أنت تستخدم أيضًا الوسيلة الثالثة.
- التخفيف من حدة المخاطرة: بعد توظيف مجموعة الكتّاب ستبدأ حدة المخاطرة في الهبوط خصوصًا مع ملاحظة محركات البحث التغيير المستمر على محتوى الموقع، وفي حالة حدوث المخاطرة فلن تكون بالحدة التي كانت ستحدث في البداية، فإن كان موقعك يحتوي على 100 مقال وجميعهم منقول، فربما تصل العقوبة إلى الحذف من محرك البحث نهائيًا، بينما إن وجد العاملين على محركات البحث أن عدد المقالات المنقول أخذُّ في النقصان وأن المحتوى الحصري يستبدل المحتوى المنقول، فقد يُكتفى بالتقليل من ترتيب موقعك فقط حتى يتأكدوا من أنك عالجت الخطأ كله.
- القبول بالمخاطرة: أي القبول بحدوث المخاطرة وتحمل نتائجها وتأثيرها، ولتوضيح هذه الوسيلة سنضرب مثالًا آخر، أنك تعرف أن في فصل الشتاء سوف تتساقط الامطار ومع هذا قررت أن تبني منزلك الجديد متحملًا المُخاطرة ولديك خطة تستخدمها في هذه الحالة.
إدارة المخاطر ذات التأثير الإيجابي على المشروع (الفرص)
في حالة كان للمخاطر تأثيرًا إيجابيًا على المشروع، أو إذا كان ممكنا تحويل الخطر السلبي إلى إيجابي، تمامًا كالخطر الثاني الذي ذكرناه في المثال السابق، سيكون لدينا ثلاثة أساليب للحصول على هذه الفرصة:
- استغلال الفرصة: الخطر الثاني والذي هو زيادة عدد الزوار بنسبة 20% عن العدد المسموح به سلبي على حالة المشروع لأنه قد يؤدي إلى توقف الموقع عن العمل، ولكن من الممكن تحويله إلى فرصة إيجابية كاملة يُمكن استغلالها، فعلى سبيل المثال قد نستغل وجود عرض لدى شركة منافسة ونحجز لديها خطة استضافة أفضل في الإمكانيات بسعر أقل، أو سنراجع الجزء المالي المُخصص للطوارئ استعدادًا لترقية الاستضافة والاستفادة من عدد الزوّار الزائد في ربح مزيدًا من المال.
- مشاركة الفرصة: ربما يكون لدينا حلًا بديلا إذا لم يكن لديك مال مُخصص للطوارئ أو في حالة عدم تمكنك من استغلال الفرصة بالوسيلة الأولى، ويتم ذلك عن طريقة مشاركة الفرصة مع شخص آخر، مثلًا تطلب من شركة الاستضافة ترقية الحساب لك مجانًا مقابل وضع بانر إعلاني لها في مكان جيد في الموقع أو تقوم باستخدام إعلانات حسوب في موقعك فيدفع لك الشخص المهتم بالإعلان لديك مبلغ مالي مناسب في مقابل نشر إعلانه على موقعك، وعلى هذا الأسلوب اذكر ما يمكنك فعله.
- تعزيز أثر الفرصة: في المخاطرة كنّا نحاول تجنب وتفادي المخاطرة ولكن في الفرص نحاول تعزيز أثرها، ففرصة زيادة عدد الزوّار معناه ربحًا أكثر، وبالتالي فنحن سنسعى إلى محاولة زيادة عدد الزوار بشكل أكثر من هذا وفقًا لما لدينا من خطط.
خامسًا: ملاحظات هامة بخصوص إدارة المخاطر
- يجب تسجيل كافة المخاطر التي تعرفها في سجل مُخصص للمخاطر، بحيث يحتوي هذا السجل على المخاطر وتقييم كل مخاطرة بالنسبة لاحتمالية حدوثها أو لأثرها، والبعض يزيد عاملين إضافيين هما الإطار الزمني، وحالة الأنشطة، كذلك مع كل مخاطرة تُكتب الطريقة المُستخدمة للتعامل معها مع ضرورة تعيين شخص مسؤول لكل مخاطرة.
- يُمكن تعيين شخص مختلف عن كل مخاطرة أو يمكن تعيين فريق ثابت لإدارة المخاطر حسب حالة كل مشروع، ولكن من الضرورة بمكان أن تُحدد في سجل المخاطر الشخص المسؤول وتُعين له الخطة المناسبة التي ينبغي عليه اتباعها مع المخاطر أو الفرص.
- ما تم ذكره في هذا المقال هي مفاهيم أساسية بسيطة عن إدارة المخاطر وقد نتحدث بشكل مُفصل في مقالات قادمة عن إدارة المخاطر إذا وجدنا ضرورة لذلك.
الخلاصة: مما سبق يتبين لنا أن المخاطرة هي حدث لم يحدث بعد ولكنه قد يحدث ويتسبب في مشكلة أو على النقيض يكون فرصة لنا، ولكلٍ وضّحنا آلية التعامل. وعلى كل حال ننتظر سؤالك بخصوص إدارة المخاطر في التعليقات بالأسفل أو ننتظر تعليقك على أحد المقالات المنشورة في دليل الأعمال 101؛ ذلك المقال الشامل للعديد من المقالات الأخرى التي لا تقل أهمية عن هذا المقال لريادي الأعمال وأصحاب الشركات الناشئة، أو لمن يفكر في إطلاق شركته وعمله الخاص في القريب العاجل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق