الاثنين، 12 يوليو 2010

العنف فى الثقافة الاسلامية

هل تعلم
اربعة من رؤساء الولايات المتحدة ماتوا اغتيالا ( لينكولن-جارفيلد-ماكينلى- كيندى)

**************

تكملة لمناقشة موضوع هذا الاسبوع المطروح للمناقشة حول انتشار الاسلام بحد السيف واستخدام العنف فى نشر الديانة الاسلامية وهذا الموضوع كم هو حساس وغامض، وخاصة في إطار الثقافة الإسلامية، ففي الغرب نشأت مؤسسات لاعنفية عريقة، وحاليا هناك من يضع قواميس كاملة لهذا الحقل المعرفي بعد أن نما كاتجاه وكوكب كامل بإحداثيات مغايرة مثل الفرق بين الأرض والمريخ، فالغازات مختلفة والضغط متباين وجو المريخ براد ستين درجة تحت الصفر، والأرض فيها حقول مغناطيسية تسمح بوجود الحياة وتحفظها، والمريخ كوكب ميت، وثقافة العنف موت وقتل، وثقافة اللاعنف حياة وسلام ووئام وحب. وكأن الاثنتين مثل آدم والشيطان، فثقافة السلام روح وريحان وجنة نعيم، وثقافة العنف من مارج من نار، فبأي آلاء ربكما تكذبان؟

وفي هذه البحث المختصر سوف أحاول استعراض أهم الأفكار المتعلقة بهذا المذهب، الذي يقول: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا، واستعدادنا لوضع يدنا في يد من يؤمن بالسلام ولو لم يستقبل الكعبة يوما، وعدم وضعها في يد من يؤمن بالقتل ولو حج كل سنة وقام الليل وصام الدهر؟ لأنه سيضحي غدا بنا، فلا أمان معه ومنه، أما من يؤمن بالسلام فلا خوف منه ولن يؤذي أحدا مهما اعتقد ودان، وهي فكرة مزلزلة للأصوليين، ولكنها مذهب السلاميين. وهو الإسلام صدقا وعدلا.

إن أول تساؤل وجهته الملائكة لحظة خلق الإنسان عن جدوى وجود هذا الكائن القاتل " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟". فلم تقل أتجعل فيها من يكفر بك بل أتجعل فيها من يقتل؟وهذا يعني أن مسالة العنف واللاعنف مسألة وجودية.

قصة أول جريمة فى تاريخ البشرية

وأول جريمة قتل حدثت على الأرض كانت بين ولدي آدم، فقال الأول: لأقتلنك وقال الثاني: لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين. ومن هذه القصة تتولد تلقائيا طريقتان لحل المشاكل: من يهدد ويقتل. ومن لايهدد، ولا يخاف من التهديد، ولا يمد يده بالقتل، ولا يدافع عن نفسه أمام القتل أي أن هناك مذهبان في العالم: الدموي والسلامي وهذا يعني أن مسألة العنف واللاعنف هي مسألة التاريخ. وحسب هيروقليطس( فالحرب أبو التاريخ.

سنة سلام مقابل كل ثلاثة عشر سنة عنف

ومن يطالع التاريخ خلال أكثر من ثلاثة آلاف سنة، منذ عرفت الكتابة في صحف إبراهيم موسى، يصل إلى إحصائية مخيفة تقول: أن كل 13 سنة من التاريخ سادت فيها الحرب يقابلها سنة واحدة من السلام، كما اكتشفها (غاستون بوتول) الذي درس ظاهرة الحرب، فهل هذا قدر إنساني أم ثقافة؟ وحسب تحليل الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل): فإن انتقال الإنسان من الغابة إلى الدولة كان خيارا ذو اتجاه واحد من الفوضى إلى الطغيان. وهو خيار أحلاهما مر، فلم يكن السلام ممكناً بين الناس في الغابة، كما لم يستتب السلام بين الدول حتى اليوم. وحسب (ابن خلدون) في مقدمته الشهيرة فإن (المجتمع) للإنسان يشكل ضرورة بسببين: الغذاء والدفاع. ويقول عن الغذاء أن رغيف الخبز يحتاج إلى صناعات لانهائية في شكل شبكة من التخصصات، وهذا غير ممكن بدون وجود المدينة أي المجتمع الإنساني، ولولا مجتمع المدينة لم تتشكل الحضارة، فالحضارة ظاهرة نشأت تحت السقوف، وهذا قاده إلى فهم (ضرورة) وجود المجتمع، وبدون وجود المجتمع لم يوجد الإنسان. ولا ينطق الإنسان إلا بوجوده مع بشر مثله. وحسب (مالك بن نبي) المفكر الجزائري فإن المجتمع للإنسان يعني نقل الإنسان عبر معادلتين بيولوجية وثقافية، فالأولى تعني الفرد والثانية تعني الشخص المكيف اجتماعياً.

وكل الدراسات الأنثروبولوجية أكدت على أن المجتمع للإنسان يعني نقلته من البهيمية إلى جعله بشرا سويا، والطفل الذي يولد في الغابة ويحافظ على وجوده لايزيد عن ذئب، بل هو أضل سبيلا، في رتبة حيوانية أضعف من الحيوانات. أكد هذا بيتر فارب في كتابه (بنو الإنسان) من تجربة الدكتور (ايتار) على صبي أفيرون الوحشي. ولكن مشكلة خروج الإنسان من الغابة ودخوله المجتمع جعلته مثل الفأر الذي استأجر لنفسه مصيدة. فخرج من فوضى الغابة ليقع في قبضة طغيان الدولة، كمن يهرب من المطر إلى ما تحت المزراب، ولم يكن من هذا بد، كما ذكرنا ذلك من الأفكار السابقة. فكانت الدولة ومجتمع المدينة جميلة من جانب، ومصيدة وورطة من جانب آخر.

صراع الافراد وصراع الدول .. فرق شاسع

صراع الأفراد غير الحروب فالحروب هي ظاهرة صراع الدول أو تفككها كما رأينا في يوغسلافيا ولبنان. ويرجع صراع الإفراد إلى تركيب الدماغ، فدماغ أحدنا مركب من ثلاث طوابق، أعلاه الحديث وعمره نصف مليون سنة، أما الدماغ السفلي والمتوسط وهما مسئولان عن المراكز الحيوية والعواطف فعمرها أكثر من مائة مليون سنة، وبينهما قدر من التفاهم، وبذلك فإن دماغ أحدنا فيه ثلاث أدمغة وليس واحداً وبثلاث لغات وبدون ترجمان، والانسجام موجود بين الدماغين السفلي والمتوسط منذ مائة مليون سنة، خلافا للدماغ الجديد المتشكل منذ نصف مليون سنة، وغير المنسجم والمتفاهم مع الدماغين الآخرين.

وهذا يعني أن العدوانية مغروسة في البيولوجيا ولسبب حيوي فالغضب والانفعال آليتان للحفاظ على الحياة، ولولا الغضب ما عاش الإنسان، ولكن المشكلة كما جاء في كتاب (الذكاء العاطفي) أن تكون العواطف بما فيها الغضب تحت سيطرة الدماغ العلوي، الأحدث والأكثر تطورا والتي تميز الإنسان عن البهيمة، وهو أمر تربوي، وهذا الوعي الخاص كسبي، كما يقول (إقبال) في كتابه تجديد التفكير الديني، والإنسان يولد من بطن أمه لا يعلم شيئا، ثم يبدأ العقل السنني في التكون، وهذا يحتاج إلى تأسيس كل مرة، ومن ينظر في كيفية أكل الحيوانات بعضها بعضا، يدرك أثر هذا في تصرف البشر، الذين هم ثلثان من تمساح وسبع ضاري، فوقه ثلث من كائن عاقل يحاول ضبط الوحشين.

وحسب كتاب (الذكاء العاطفي) لـ (دانييل جولمان) فإن الدماغ المتوسط موضع العواطف مهم جدا للتصرف، ومركزه في الأميجدالا في الفص الصدغي، ولكنه مرتبط بالدماغ العلوي، وعدم انضباط هذا المركز العاطفي مع قشرة الدماغ العليا، هو الذي يقود للانفجارات العاطفية وكوارث الانفعال وبالتالي يفسر (لا منطقية) الإنسان. وكما وجد الصراع وعدم الانسجام في البيولوجيا فهو في علم الاجتماع أشد، فالفرد حينما خرج من الغابة ودخل الدولة لم يعد في مقدوره حل نزاعاته مع الآخرين بالقوة، مع كل زخم اندفاع القوة الحيوانية من التمساح والسبع، بسبب أن الدولة تحتكر القوة فتحكم بين الأفراد فيما كانوا فيه هم مختلفون.

الدولة ضرورة اجتماعية انسانية

ولكن كما يقول عالم الاجتماع العراقي (الوردي) فإن هذا لم يوجد بين الدول، فالدولة تملك الإفراد، ولكن لايوجد دولة عليا تملك الدول. وهنا وفي هذه النقطة تنشب الحروب وصراعات الدول. والدولة بوظيفتها الأساسية من (توفير الأمن) للأفراد تجعل الحياة متحملة، وأي نزاع ينشب بين الأفراد تتدخل الدولة ولو بالقوة المسلحة العارية فتفضه، ولكن لاتوجد مثل هذه القوة بين الدول، فاستمرت الحرب بين الدول حتى اليوم، وأي مراقبة للصراع البشري في ظاهرة الحرب تتبدى هذه الظاهرة على شكل واضح. وجمعية الأمم المتحدة وما شابه هي محاولات متواضعة لإنشاء مثل هذه القوة العالمية التي تفك النزاعات بين دول المعمورة، ولكن لم يتحقق هذا حتى الان، وأعظم مرض أصيبت به البشرية هو ولادة مجلس الأمن المشئوم، الذي أعاق ولادة العدل حتى اليوم، وربما وقد تكون الوحدة الاوربية نواة مثل هذا المشروع التاريخي.

امريكا ورئاسة العالم

وكان بالإمكان لأمريكا أن تقوم بهذا الدور ولكنها قوة استعمارية تبغي الربح والهيمنة، وليس عندها روح العدالة والرسالة، ولذا فهي مكروهة من معظم أهل الأرض، وهو قدر كل قوة استعمارية تهدف الهيمنة على امتداد التاريخ. ومع سيطرة الدولة على الأفراد لحل النزاعات داخل مربع الدولة الواحدة نشأ تلقائيا مرضان خطيران: الحرب مع الدول المجاورة. والطغيان الداخلي.

اسباب بعث الانبياء

ومن أجل هذين المرضين بعث الإنبياء: التحرر من الطغيان الداخلي ونشر السلام بين الأنام. وبهذه الطريقة نفهم معنى مجيء الأنبياء في التاريخ وطريقتهم في التغيير السياسي القائم على فهم عميق للإنسان: أن أفضل ما يؤخذ من الإنسان هو بالإقناع والإيمان وليس بالكره والإكراه. وإذا كانت هذه رسالة الأنبياء جميعا فكيف نفهم نصوصاً من القرآن تحض على القتل كما جاء في سورة الفتح عن الاعراب (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم شديد تقاتلونهم أو يسلمون) أو الآيات النارية في القتال في أمكنة أخرى مثل سورة التوبة، "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين" أو "فاقتلوهم حيث ثقفتموهم" وهذا المعنى أشكل على احد الكتاب ممن وصلتني مقالته بالانترنت فقال بأن القرآن كتاب عنف وأنه مصدر كل هذا الإرهاب في العالم، وهو تهور منه واستعجال وعدم إدراك القرآن والتاريخ والسياسة والإنسان والمجتمع. يصف (أورهان بيار): اللاعنف في الإسلام في الفترة المكية أنه " غير مرتبط بالتسامح كما هو معروف عند رموز اللاعنف (النبي عيسى , ماني . غاندي) بل تسامح غير القادر على الرد بالمثل فالآيات لا تحرض على القتل والحرب لكنها تتوعد غير الموالين للدعوة الجديدة بشر العقاب وبنار جهنم ".

هل القتل أصيل فى الاسلام ؟

اي أن القتل والقتال أصيل في الإسلام أخفى وجهه لمصلحة تكتيكية. ليمضي فيقول أنه لاحقاً: "تظهر له كلمتا الغزو والسبي ومدى تأثيرها في الحياة القبلية ويبدل هاتان الكلمتان بأخريين الفتح والغنيمة ويدعمه القرآن في الوسيلة الجديدة لنشر الدين ويبدأ الإسلام بولادته الجديدة كحركة عنفيه تقوم أساساً على الفتح و جمع الغنائم وهذا ما يرجوه كل أعرابي وبهذا الشكل ومع أول نصر لمحمد في بدر تكبر الحركة ككرة الثلج المتدحرجة من أعلى الجبل". ثم ليكشف الإسلام القناع عن وجهه الحقيقي حين يقول: " ينتفي هذا الخيار الديمقراطي ليتحول الأمر إلى تخيير بين قبول الإسلام أو الدخول في طاعة المسلمين" ليقرر السيد أورهان هذا الحكم أنه : " من خلال مراجعتي المقتضبة لبعض جوانب العنف في المرجع الإسلامي الرئيسي توصلت إلى أنه لولا العنف الذي أستخدم بكثافة شديدة لما تمكن محمد ولا من خلفه من نشر عقيدتهم" أو يقرر: " كما توصلت إلى أن الأسلوب العنفي والإسلام شيئان متلازمان لا يمكن فصلهما فكل شعب يسلم يتحول إلى الناطق بالحق والمسؤول عن أوامر الله على الأرض ويبدأ باحتلال واستعمار الغير باسم الفتح فما علاقة البرابرة الترك ونشر الإسلام واحتلال أوربة وهم أبعد البشر عن الحضارة في الفترة السلجوقية والعثمانية ". وينتهي الكاتب أورهان إلى هذه الخلاصة: " إن العنف المنفلت من عقاله الذي نعاني منه اليوم منبعه الرئيسي هو النص القرآني الذي يحلل قتل ومعاداة ومحاربة المخالف مهما كان , فالإسلام لا يقبل الاختلاف والعالم في نظره قسمان لا ثالث لهما مسلمون وكفار وواجب المسلمين هو الجهاد في سبيل الله وهو محاربة الكفار حتى ينصاعوا لكلمة الله بقبول الإسلام أو الخضوع والاستسلام للمسلمين".

فكرة الدفاع عن النفس

وهذا الاختلاط في فكرة الدفاع عن النفس منشأها أن الصراع البشري ينفجر عند هذا المنعطف تماما في تصور كل واحد أنه يدافع عن نفسه؟ فالعمل مبرر مشرعن، ولكن من المدافع ومن المهاجم؟ لقد قالت إيران والعراق نفس الكلمة في الحرب العقيم التي لم تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم؟ وكل الحروب نشأت تقريبا بنفس الحجة، والفيلسوف الألماني (فردريك نيتشه) يقول: إن كل وزارات العالم المخصصة للقتل والقتال اسمها (وزارة الدفاع) وهي مخصصة للهجوم، فلم نسمع عن دولة سمت وزارة الحربية عندها (وزارة الهجوم)؟؟ ، ويقول نيتشه أن هذا العنوان يحمل النية السيئة للآخرين أنهم سيهجمون فيجب أن يدافعوا، والحروب الأهلية تنشب تحت ضغط هذا الشعور: علي قتله قبل أن يقتلني؟ أما إن قال كل واحد لن أقتل ولو مد يده بالقتل لانطفأت الحروب، ولكن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين. وفكرة الدفاع عن النفس سوف نحاول أيضا تفكيكيها أثناء بحثنا عن مشكلة العنف واللاعنف في القرآن.

والحديث الذي يتحدث عن الدفاع عن النفس في وجه لص، هو غير الحديث الذي يتحدث في عدم الدفاع عن النفس تجاه الدولة، فالعمل الفردي الشخصي غير العمل الاجتماعي السياسي، وحينما شجع الحديث المؤمن ان يعرف ركوب الخيل والسباحة والرماية، وأن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، فكله يصب في خانة مختلفة عن التغيير الاجتماعي السياسي الذي نتحدث عنه، وسوف نحاول استعراض فكرة العنف واللاعنف في الإطار القرآني، من أجل فهم هذه الأفكار متناسقة في حزمة واحدة، وإلا كذبنا على الله.

فالدفاع عن النفس الفردي في مواجهات مع سرقة ولصوصية وتحرش واعتداء وما شابه يجب حلها عن طريق الدولة التي مهمتها هذه الأعمال، وإلا تحول المجتمع إلى غابة، فإن غابت الدولة قام الفرد بما يسد هذا الفراغ لحين حضور رجل الدولة. وحديثنا هو عن التغيير السياسي أن الدولة أو المجتمع لو أراد اعتقال أو تعذيب أو سجن فرد ما، قام ضد الدولة وعارض الوضع السياسي، فلا يلجأ إلى القوة ضد الدولة، بل يتحلى بالصبر وضبط النفس، أو الهجرة في الحالات التي لم تعد تطاق، ويأس صاحبها من إمكانية التغيير في ظل وضع سياسي مشئوم، والقرآن حض على الهجرة في هذه الحالات، كما جاء في قصة أصحاب الكهف، الذين ضنوا بكلبهم أن يعيش في مجتمع وثني، وهذا الكلام ليس نكتة، ففي ليلة واحدة أمر الحاكم بأمر الله الفاطمي بإعدام كل كلاب القاهرة لأنهم أزعجوه بنباحهم، فحصلت مذبحة قضت على ثلايين ألف كلب ويزيدون؟

المنهج الربانى فى حل المشاكل المجتمعية

أما ماعدا ذلك فطريقة التغيير الاجتماعية التي مارسها الأنبياء جاءت على نحو واضح في الاية من سورة الأنعام (الآية ): "ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين" فهذه الطريقة، والاستمرار فيها، هي طريقة صناعة الحكم والمجتمع في الإسلام، الذي أرجو أن أوفق لتوضيحه، وكذلك صيانته حين الانحراف، فلا تحل المشكلات بالدم والسيف كما حصل في التاريخ الإسلامي وما زال. ولب المشكلة هنا أن من غير الإوضاع بالسيف والقوة المسلحة ونجح في ذلك ارتهن للقوة فأزال الطاغوت ليجلس محله فلا تزداد الأمور إلى مسخا وخسفا.

الطريقة الثورة فى التغيير

وهناك طرق ثورية في التغيير، كما أن الديموقراطيات الحديثة ترى أن الثورة المسلحة وقتل الظالم شيء مشروع، كما حدث مع الثورة البلشفية والفرنسية والأمريكية، أما طرق الأنبياء فمختلفة. وهناك نقطة أشكلت على الأخ هي موضوع اجتياح الشعوب وكيف تدافع عن نفسها وهي نقطة قوية مما جاء في مقالته. قال:" و حضارة الإنكا في أمريكا الجنوبية كانت حضارة راقية مسالمة ذات مدن ضخمة و أنظمة ري متطورة، و لم تُبادئ الغزاة الإسبان بأذى يذكر، بل إنها حاولت مد أيدي التواصل إليهم مراراً، فكيف صمد اللا عنف أمام همجية العنصرية الأوروبية؟ لقد دمّر الأوروبيون حضارة الإنكا بالكامل، و قتلوا آخر ملوكهم بعد أن أعطاهم من الذهب ما لم يتخيلوا وجوده في أزهى أحلامهم، و انقرض شعب الإنكا و بادت لغته و دمر تراثه، و لم يبق منهم اليوم إلا شراذم مضطهدة معزولة. و قد انتشر لدى الحركات العنصرية الأوروبية أن مسالمة هذه الشعوب المقهورة و استكانتها إلى مصيرها ما هي إلا لاقتناعها بتفوق الجنس الأبيض، فكان اللا عنف دعوة مفتوحة لمزيدٍ من العنف و لمزيدٍ من الإجرام من قبل الطرف المعتدي" .

بانوراما جديدة للفهم الانسانى للعنف

وأنا تتبعت هذه الفكرة وفكرت فيها مليا. ويجب استيعابها ضمن بانوراما جديدة للفهم الإنساني. وحضاة الازتيك والانكا كانت دموية جدا، ولم يكن لمائة رجل أن يدمروا حضارة يعد أهلها بالملايين، بل كانت تمارس القتل على نحو جنوني، ومما يذكر أن حكام الازتيك كانوا يذبحون في أيام العيد لمدة بضعة أيام ثلاثين ألفا من خيرة الشباب من الشعوب المجاورة، وهو أمر تحققت منه قناة الديسكفري، وكورتيس تغلب عليهم من الانشقاق الداخلي. وتحريض بقية الشعوب المظلومة المضطهدة ضدهم، فلما استطاع جمع كلمتهم قضت بسهولة على حضارة الازتيك وينطبق نفس الكلام على بيزارو وحضارة الأنكا وملكهم هواتا هوالبا الذي خنق وشنق. وهو نفس الأمر الذي فعله الاسكندر مع مملكة الفرس، وينطبق على الفتح الإسلامي لمصر الذي تم على يد أربعة آلاف جندي؟

الفرق بين الجهاد والقتال

ونحن هنا نناقش موضوعا مختلفا وإذا كان لابد أن يقحم في موضوع الدفاع عن النفس، فهذا شيء مختلف عن الجهاد، والجهاد غير القتال فيجب التفريق بين المصطلحات، كما يجب التفريق بين الجهاد والخروج الذي مارسة الخوارج، وهو موضوع يجب التعرض له أيضاً، وهناك لبس وغموض في كثير من المفاهيم. وأنا في هذه المقدمة أحاول ضغط الأفكار ما امكن مثل كبسولة دواء. الجهاد غير القتال. والقتال قد يكون من الجهاد وقد يكون من عمل الشيطان. إن كيد الشيطان كان ضعيفا. فحين ينضبط القتال كطاقة لهدف قد يخدم موضوع الجهاد. وهنا يشبه الجهاد عمل إطفائيات الحريق على المستوى العالمي في صراع الدول بين بعضها البعض، فهذا هو الجهاد، وله شروطه، فهو ليس أداة بيد فرد أو حزب أو جماعة بل يجب ممارسته بيد دولة وصلت إلى الحكم برضا الناس، ويسخر ضد الظلم، أي أنه "دعوة لإقامة حلف عالمي لرفع الظلم عن الناس أينما كانوا ومهما دانوا" وهو مايكرره القرآن عن (رفع الفتنة عن الناس) كما هو في حكم أنظمة المخابرات في الأنظمة الثورية العربية، ومن هذا الجانب فهذه الأنظمة المتعفنة يجب الجهاد ضدها من قوى عادلة ولو كانت غير مسلمة، ولو أن أمريكا فعلت نفس الشيء في كل العالم لدخل الناس في دينها أفواجاً، ولكنها تنصر إسرائيل، وتدعم الديكتاتوريين في كل مكان، وتريد التوسع والهمينة، وتلعب دور فرعون المستكبر في العالم، الذي طغى في البلاد فأكثر فيها الفساد، وهو الذي اختلط على المدعو أورهان، حينما استشهد بالآية من حيث لم يستوعب معناها، أن رفع الفتنة عن الناس تعني فتنتهم. وهو معنى اختلط عليه تماما. فالقرآن قال قاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين لله، وليس قاتلوا الناس حتى يكونوا مسلمين على الطريقة العربية الأعرابية؟ أي رفع الإكراه عن الناس حتى يكونوا أحرارا في اعتناق ما يشاؤون، وهذا المفهوم في القرن السابع للميلاد كان تقدمياً جداً، ولم يتعرفه البشرية إلا في عصور التنوير.

لا إكراه فى الدين - مبدأ شرعى لافكاك منه

إن القرآن ينطلق من مبدأ: (لا إكراه في الدين) دخولا وخروجا، وهذا يعني أنه لايوجد قتل للمرتد كما نص عليه فقهاء العصر المملوكي. ويمكن للإنسان أن يخرج من الدين ثلاث مرات بدون أن تخرج روحه مرة واحدة. كما جاء في سورة النساء. إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا" ولكن لم يقل أخرجوا أرواحهم بحد السيف، وهو ما فات على أورهان المبرمج على عداء الإسلامي أيديولوجياً، وعلى عدم الاستفادة من القرآن. ولا يعرف القرآن. ولم يطلع على القرآن.

بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله؟؟.

وإلى اللقاء يوم غد مع مقال جديد و
" العنف وتاريخ البشرية "
وإلى أن نلتقى لكم منى أطيب تحية
محاسب / طارق الجيزاوى
الاسكندرية فى الأثنين 12 يوليو2010
*******************
سرتنا زيارتكم
مع ارق امنياتى واطيب تحياتى وارجو دوام التواصل على الماسنجر الشخصى للمدون

ليست هناك تعليقات:

أفكار مفيدة لمشاريع جديدة بدون رأس مال - كانفا

  هي أداة تصميم رسومات للمحترفين والمبتدئين ، تحتوى على ما يزيد عن 100 مليون تصميم متاح بعدة لغات منها اللغة العربية ، وهي بالتأكيد المنصة ا...